المسدة المزداوية (القليعة)

PrintE-Mail

المسدة المزداوية (القليعة)

المسدة المزداوية قصة حياة مفعمة بالعمل الفني المتقن وموروث ثقافي شعبي فريد اختصت به نساء مزدة في منطقة القبلة، حيث كانت أمهاتنا يتقن صناعة أجود أنواع الملبوسات المحاكة باليد كـ (الجرد – البطانية – الوزرة – البخنوق…) المصنوعة من صوف الضأن بعد جزه، ثم غسله وتنقيته وتحويله إلى شكل طولي وتكويره على هيئة كرات دائرية، بعدها يتم تحويله مرة أخرى إلى أشكال طولية صغيرة باستخدام آلة القرداش ثم يغزل بما يعرف بالمغزل، وتحويله إلى ما يسمى بالطعمة، ويتم تمشيط الصوف بآلة المشط ليتكون بعد ذلك بما يسمى بالجداد، ويصنع بعدها خيوط غليظة يطلق عليها النيرة، وبعد تجهيز المسدة ومكوناتها تصبح جاهزة وتستدعي فيها المرأة جاراتها من النسوة للمساعدة في تجهيز المسدة، الآلة المعدة لصناعة الملبوسات المنسوجة، وفي العادة تقوم بهذا العمل امرأة ذات مهارة عالية ومعروفة في البلدة يطلق عليها السداية، حيث تقوم بإعداد المسدة وتهيئتها بمساعدة النسوة من الجيران والأقارب في إيقاف المسدة في غرفة خاصة ببيت المرأة صاحبة المسدة.

عملية تهيئة وإعداد مكونات المسدة يتخللها عادات مزداوية فريدة غاية في الجمال والروعة بما تحتويه من لمة مزداوية دافئة يتخللها إعداد الوجبات الخاصة من قبل صاحبة المسدة من فطور، ويكون في أغلب الأحيان عبارة عن عصيدة، وغذاء بالإضافة إلى شاهي العالة والكاكاوية.

كما يصاحب أعداد المسدة غناوي جميلة يتغنى بها النسوة حين صنع الجداد، حيث يجمع الأطفال ويتغنى فوق رؤوسهم بالصوف بلحن بديع (عمر الجداد يبيد وعمرك يزيد…) أو تلك الأغنية الطريفة التي تغنيها المرأة في حال طلب الرغاطة، وهي مرأة من جاراتها أو قريباتها تستدعى للمساعدة في عملية النسج حيث تغني لها بعد وعدها بإعداد الفطور والغذاء (رغاطتي تعالي بندبحلك دجاجتي… تخافك يا دجاجتي نزلبح في رغاطتي …). وللرغاطة قصص وغناوي مختلفة ومتعددة لا يسعنا المجال هنا لسردها، ولكننا نعدكم بنشرها لاحقاً.

ومن الطريف أيضاً عند الانتهاء من قليعة الحولي أو أي كان المنسوج التنبؤ بنوع المولود القادم – ذكر أو أنثى – حيث يقمن النسوة باستدعاء أحدى النسوة الحوامل في البلدة ويخبرنها (تعالي يا فلانة اليوم بنسلو عليك النيرة…) ويتجمعن النسوة بما فيهم المرأة الحامل بغرفة المسدة وينتظرن أول داخل عليهن أن كان طفل ذكر ستلد الحامل ذكراً وإن كان الداخل طفلة أنثى ستلد أنثى، وللمصادفة حسب الروايات أغلب التنبؤات كانت صحيحة.

يفضل أغلب النساء المزداويات عملية حياكة المنسوجات بالمسدة اختيار فصل الشتاء، رغم قصر نهاره، عن فصل الصيف، لأن الصوف مع ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف يقلق المرأة ويزيد من سخونة الجو داخل الغرفة. أما فصل الشتاء مع وجود اللمة والصوف يبعث الدفء والتقارب بين النسوة الزائرات لصاحبة المسدة، وأيديهم تحمل بياض المسدة من فطائر من أحداهن، وحارة بيض من الأخرى بينما الأخريات يحملنا خبزة الفرن والسفنز الشهي. ويساهمن في عمل الكرار ودوائر الطعمة، لتسهيل وتخفيف حمل القليعة عن صاحبة المسدة.

والغريب في الأمر، لو دخل على المرأة الناسجة أحدى المناسبات، كالعيد أو عاشوراء، ولم تنهي القليعة فلا يمكن للرجل لبس الجرد المنسوج بل يتم بيعه بدلاً من لبسه، ولم نستطع معرفة السبب في ذلك.

وإعداد المسدة بالدرجة الأولى كان من أجل الملبس نظراً لنوعية الطقس البارد لمدينة مزدة في فصل الشتاء، وكان من اللازم على المرأة المزداوية أن تحيك جرد (الحولي) على كل رأس حول (سنة) لزوجها أو إبنها، كذلك الأم عند تجهيز أبنها للزفاف، أو أبنتها بإعداد بطانية لها عند تسقيدها لبيت الزوجية.

نسأل الله أن نكون قد وفقاً في سرد باختصار غير مخل لقصة المسدة المزداوية التي تحتاج لبحوث كبيرة لما تحتويه من تراث شعبي وثقافي غني بالمصطلحات الفريدة الملزمة بإعداد دراسة متكاملة عليها تخص المهتمين بالتاريخ والتراث الليبي.

وطني مزدة
16. 12. 2011

من المصطلحات الغريبة التي صادفتها أثناء الإعداد لهذا البوست ولم تنشر فيه كانت (الطعمة – المشاط – الجداد – المنطوي – الطغات – خيط السلامة – توشيم الحولي – رغاطة – بخنوق – ) لهذا اقترحنا اعداد دراسة على المسدة المزداوية من بداية جز الصوف إلى الإنتهاء من الدرع العاشر للحولي وقطعه وبرمه ويلبسه صاحبه الهني.



ايهاب ازطاف
عن ايهاب ازطاف 693 مقالة
ايهاب ازطاف هو باحث ليبي من مدينة يفرن بجبل نفوسة، مهتم بدراسة اللغة الليبية ومفرداتها وقواعد نحوها ولسانياتها، وله شغف بالبحث في طوبونوميا ليبيا وايجاد علاقتها بالمجتمع وتاريخه واصوله، ويهذف لاعادة الاعتبار للهوية الليبية وحمايتها، وتقوية الانتماء للارض الليبية في نفوس سكانها.

قم بكتابة اول تعليق

شاركــــنا رأيك و بإحترام

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*