

نسجت الكثير من الشعوب هاله من الاساطير والخرافات حول لغاتها، واعتبرت اللغات الاخرى مجرد أصوات همهمه غير مفهومة شبيهة بتلك الصيحات والصرخات التي يصدرها الحيوان الابكم، بحيث اصبحت تلك اللغات محتقرة لا ترقى لان تكون لغة ادمية في وعيهم ولا وعيهم.
فقد اعتبر الاغريق ان اللغة اليونانية هي وحدها اللغة البشرية، وما عداها من اللغات مجرد بربره وثرثرة، ولهذا اطلقوا على غيرهم من الامم اسم (بربروس/barbarus)، ومن هنا اشتقت كلمة (بالبوس/balbus) التي تعني التمتمة في اللاتينية، اخذ العرب كلمة بربر واطلقتها على زئير الاسد وصوت الماعز وصغار الغنم، وعلى من يكثر من الكلام بدون فائدة ومنفعه.
وبما ان حرف الراء ثقيل على اللسان في النطق نجد ان كلمة بربر تحولت الى بلبل بعد ان ابدل صوت اللام الى راء، فيما يعرف في علم اللسانيات بظاهرة اللثغ، ومن هنا جاء اسم بابل وقد عرفت سابقاً باسم شنعار الا ان الرب عاقب البشرية فبلبل الله لسانهم الى عدة السن بعد ان كانت تتكلم لغة واحدة، وقد ورد في الكتاب المقدس ما يلي :”دُعي اسمها بابل لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض” (تك 11: 8، 9).
وقد ذكر پلينيوس سـِكوندوس نقلا عن هيردوتس ان هناك قبائل ليبية في الاطلس لا لسان لها وهي تهمهم وتوميء لتستطيع التواصل، وقد ذكر في الفقرة 183 من كتابة الرابع ان قبائل تروكلوديت الاثيوبية كلامهم لا يشبه اي كلام آخر، وهو اشبه بزعيق الخفافيش، اما الروس فقد اعتبروا ان السن الألمان معقودة، ووصف العرب لغة التبو بانها اشبة بزقزقة العصافير، ووصفوا كلام اهل سوكنه واوجلة بالرطانه وهي الاصوات التي تصدرها الابل.
لم يختلف العرب عن من سبقهم في تقديس لغتهم والحط من شأن اللغات الاخرى، فادعوا ان لغتهم اصل اللغات وكذلك فعل اليهود والطورانيين، وقالوا انها افضل واجمل لغة في الكون، وهي عنوان الفصاحة والبلاغة والبيان، وان اللغات الاخرى مجرد عجمة او رطانة لا يمكنها ان تبين او تفصح عن شيء، فهي مجرد اصوات مختلطه كأصوات الحيوانات العجماوات، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل وضعوا لغتهم كركن سادس من اركان الاسلام، حيث ادعوا ان آدم تكلم بها وادعوا ان العربية لغة اهل الجنة وان الفارسية لغة اهل النار، والفوا الاحاديث في ذلك.
وقالوا ان فهم الدين لا يمكن ان يتأتى الا بالعربية بالرغم من ان اغلب المسلمين غير ناطقين بها، وحتى من يعتقد انه يتحدثها نجده لا يفهم القرآن ولا يفقه فيه شيء ولهذا تعددت التفاسير المتباينة للآية الواحدة، لان العربية الفصحى فسدت بعد ان اختلط العرب بشعوب شتى نتيجة كل تلك الغزوات والسبايا اللاتي انجبن اطفال لا يتحدثون لغة عربية صحيحة.. إن القرآن لم يكن اول كتاب يرسله الله للبشرية، فقد انزل قبل ذلك الزبور والتوراة والانجيل، وقد عُبد الله منذ الالاف السنين بلغات عديدة، واعتبر الله تعالى كافة الالسن باختلافها وتنوعها آية من اياته في خلقة (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين (سورة الروم: 22)).

المصادر
- تاريخ هيرودوتس الكتاب الرابع الفقرة 183
- الكتاب المقدس (تك 11: 8، 9).
- القرآن الكريم (الاية 22 من سورة الروم).
- اصوات بابل، عبدالمنعم المحجوب ص8
قم بكتابة اول تعليق