

في سنة 1958 كان فلاحا في حقول زنزور يحرث مزرعته، عندما انهارت تحت محراثهالأرض، فقـــام بتبليغ الإدارة العامة لمصلحة الآثــار- بعدها قام العلماء المتخصصون في المصلحة بالكشف عن مقبرة كاملة ترجع إلى العصور الكلاسيكية وتدل المراحل الأثارية المتراكمة على استعمالها لمدة تزيد عن 300 سنة متواصلة – تمتد من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الرابع ميلادي ولقد دلت طرق الدفن المختلفة والشواهد الأثارية المصاحبة والتي كان أغلبها أثاث جنائزي – على تراكم عمودي يمثل ثلاثة أحقاب تاريخية: المرحلة الليبية المبكرة والتي توصف بـــ “البونيقية“، أو الليبو- فينيقية وهي ترجع للقرن الأول قبل الميلاد. والمرحلة الليبـو- رومانية الكلاسيكية، وهي ترجع للقرون الثلاث الأولى ميلادية. ثم أخيرا المرحلة الليبية المسيحية، والتي تؤرخ للقرن الرابع الميلادي حينما اعترف الامبراطور قنسطنطين الأول بالديانة المسيحية. ولقد كشفت الحفريات على مجموعة من القبور التي حفرت تحت مستوى الأرض على هيئة غرف مربعة مكشوفة يصلها درج منحوت في الأرض الصخرية وقد احتوى بعضها على مقتنيات مختلفة من الأثاث الجنائزي. كان من أهم مكتشفات هذه المقبرة الكبيرة ما يسمى بالقبر رقم واحد:
وهو قبر صغير محفور تحت الأرض وغير مكشوف – مربع الشكل تقريبا (205 x210cm)- له مدخل ضيق في الحائط الغربي، وما يجعل القبر يبدو مستطيلا هو وجود حوضين مستطيلين على جانبي الحائطين الشمالي والجنوبي ليوضع فيها الأمفورات الاسطوانية التي تحتوي رماد الموتى حتى تسند إلى الحائطين الذين يحتوى كل منهما على كوة نصف كروية منحوتة يوضع فيها قوارير من فخار أو زجاج تحتوى على رماد الموتى. ويغطي الجدران الشمالي والجنوبي والشرقي على رسومات رائعة – من الفريسكو الملون – لم تفقد بعد بريقها الأخاذ حتى الآن وبعد مرور أكثر من ألفي سنة مضت. رسومات تصور رحلة عبور الموتى إلى العالم السفلي عالم “هاديس” حاكم مملكة الضلال الرمادية الحزينة. قام العالم الإيطالي “أنطونينو دي فيتا بترميم هذا القبر ورسوماته الجميلة بالتعاون مع طلبته، وأكمل ترميمه عـــام – 1969 . تصور الرسومات بدقة متناهية مراحل وطقوس العبور كما هي في الأساطير الإغريقية خطوة بخطوة ولا يبدو لنا أي عنصر غريب في هذا العالم المعروف في الفنون والآداب الإغريقية فيما عدا عنصر واحد فريد لا ينسجم مع بقية المشهد الأسطوري، ألا وهو ذاك الكاهن الواقف في صدر القبر، يرمي البخور في المبخرة، ويرتدي الزي الليبي المعروف آنذاك وهو القميص البسيط القصير الحاسر فوقه عباءة خفيفة أنيقة موشاه جوانبها بالزخرف الأرجواني، وعلى رأسه يضع (القبعة – الشاشية) البيضاء. اللوحة- 001 على الجدار الشمالي يبدو على يمين المشاهد صور تمثل الموتى بلونهم الرمادي الكئيب ثم يتلو ذلك “خارون في قاربه يحمل الموتى عبر نهر “ستيكيس” إلى عالم هاديس ثم يتلو ذلك صورة لشخص ميت يهبط على قدميه إلى العالم السفلي بينما يقوده الإله (ميكوري) ويعرفه على ملكي الموت ” هاديس وبرسيفوني” الجالسين على الكراسي يحيط بهما خدام الآلهة وكلهم مرسومون بالألوان لأنهم خالدين. اللوحة رقم- 002 على صدر الجدار الشرقي يقف الكاهن بالزي الليبي يرمي بالبخور في المبخرة. اللوحة رقم- 003 على الجدار الجنوبي في مؤخرة اللوحة منظر يصور “هرقل” ملتح وهو يجر الكلب الجهنمي “كيربيروس” حارس الجحيم، ذو الرؤوس الثلاثة، بينما تقوده الإلهة “أثينا”. ويسمى المؤلهين : “أثينا وميركوري” في اللغة الإغريقية (بسيكو بامبوس) أي مرافقي الأرواح. اللوحة رقم- 004 على الجدار الجنوبي في مقدمة اللوحة عند المدخل: هرقل ينقذ “ألكيستيس”: قصة الملكة “ألكيستيس” واقدامها على التضحية بحياتها لافتداء زوجها المحتضر ملك مدينة “فيراي”. وقد نالت الملكة جزاء إيثارها لزوجها وتفضيله على نفسها، بأن قدم “هرقل” وصارع الموت حتي هزمه وتمكن من استعادتها لزوجها في عالم الأحياء. اللوحة رقم- 005 في سقف القبر الذي يرمز إلى سماء عليّن حيث جنائن الفردوس والنعيم المقيم – ما يسميه الإغريق بحدائق “الإليزيوم” – حيث ترفرف فيكتوريا إلهة النصر بجناحيها الفضيين وتتراقص أغصان الزنابق الحمراء ويطل من الزاويتين الجنوبية والشمالية رأس “القورقونة – ميدوزة” الدميم الذي يقوم بدرء العين الحاسدة والأرواح الشريرة عن القبر ويحفظ الموتى في سلام وأمان. والله المستعان.
يوسف أحمد الختالي باحث في تاريخ الفنون الليبية انظر محمود الصديق بوحامد – ومحمود النمس – وكلك فيليب كينريك.
قم بكتابة اول تعليق